الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قلت: وفي عكسه أنشد ابن العربيّ لنفسه: قوله تعالى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَمًا} قال النحاس: ليس {سَلاَمًا} من التسليم إنما هو من التسلُّم؛ تقول العرب: سلامًا، أي تَسلُّما منك، أي براءة منك.منصوب على أحد أمرين: يجوز أن يكون منصوبًا ب {قَالُوا}، ويجوز أن يكون مصدرًا؛ وهذا قول سيبويه.قال ابن عطية: والذي أقوله: أن {قَالُوا} هو العامل في {سَلاَمًا} لأن المعنى قالوا هذا اللفظ.وقال مجاهد: معنى {سَلاَمًا} سَدَادًا.أي يقول للجاهل كلامًا يدفعه به برفق ولين.ف {قَالُوا} على هذا التأويل عامل في قوله: {سَلاَمًا} على طريقة النحويين؛ وذلك أنه بمعنى قولًا.وقالت فرقة: ينبغي للمخاطب أن يقول للجاهل سلامًا؛ بهذا اللفظ.أي سلمنا سلامًا أو تسليمًا، ونحو هذا؛ فيكون العامل فيه فعلًا من لفظه على طريقة النحويين.مسألة:هذه الآية كانت قبل آية السيف، نسخ منها ما يخص الكفرة وبقي أدبها في المسلمين إلى يوم القيامة.وذكر سيبويه النسخ في هذه الآية في كتابه، وما تكلم فيه على نسخ سواه؛ رجح به أن المراد السلامة لا التسليم؛ لأن المؤمنين لم يؤمروا قط بالسلام على الكفرة.والآية مكية فنسختها آية السيف.قال النحاس: ولا نعلم لسيبويه كلامًا في معنى الناسخ والمنسوخ إلا في هذه الآية.قال سيبويه: لم يؤمر المسلمون يومئذٍ أن يسلّموا على المشركين لكنه على معنى قوله: تَسلُّمًا منكم، ولا خير ولا شر بيننا وبينكم.المبرد: كان ينبغي أن يقال: لم يؤمر المسلمون يومئذٍ بحربهم ثم أمِروا بحربهم.محمد بن يزيد: أخطأ سيبويه في هذا وأساء العبارة.ابن العربيّ: لم يؤمر المسلمون يومئذٍ أن يسلّموا على المشركين ولا نُهوا عن ذلك، بل أمروا بالصفح والهجر الجميل، وقد كان عليه الصلاة والسلام يقف على أنديتهم ويحييهم ويدانيهم، ولا يداهنهم.وقد اتفق الناس على أن السفيه من المؤمنين إذا جفاك يجوز أن تقول له سلام عليك.قلت: هذا القول أشبه بدلائل السنة.وقد بيّنا في سورة مريم اختلاف العلماء في جواز التسليم على الكفار، فلا حاجة إلى دعوى النسخ؛ والله أعلم.وقد ذكر النضر بن شميل قال حدثني الخليل قال: أتيت أبا ربيعة الأعرابيّ وكان من أعلم من رأيت، فإذا هو على سطح، فلما سلمنا ردّ علينا السلام وقال لنا: استووا وبقينا متحيرين ولم ندر ما قال فقال لنا أعرابيّ إلى جنبه: أمركم أن ترتفعوا.قال الخليل: هو من قول الله عز وجل: {ثُمَّ استوى إِلَى السماء وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت: 11] فصعدنا إليه فقال: هل لكم في خبز فطير، ولبن هجير، وماء نمير؟ فقلنا: الساعة فارقناه فقال سلامًا فلم ندر ما قال قال فقال الأعرابيّ: إنه سألكم متاركة لا خير فيها ولا شر فقال الخليل: هو من قول الله عز وجل: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَمًا}.قال ابن عطية: ورأيت في بعض التواريخ أن إبراهيم بن المهديّ وكان من المائلين على عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال يومًا بحضرة المأمون وعنده جماعة: كنت أرى عليّ بن أبي طالب في النوم فكنت أقول له من أنت؟ فكان يقول: عليّ بن أبي طالب.فكنت أجيء معه إلى قنطرة فيذهب فيتقدمني في عبورها.فكنت أقول: إنما تدعي هذا الأمر بامرأة ونحن أحق به منك.فما رأيت له في الجواب بلاغة كما يذكر عنه.قال المأمون: وبماذا جاوبك؟ قال: فكان يقول لي سلامًا.قال الراوي: فكأن إبراهيم بن المهديّ لا يحفظ الآية أو ذهبت عنه في ذلك الوقت.فنبه المأمون على الآية من حضره وقال: هو والله يا عم عليّ بن أبي طالب، وقد جاوبك بأبلغ جواب، فخزي إبراهيم واستحيا.وكانت رؤيا لا محالة صحيحة.قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}.قال الزجاج: بات الرجل يبيت إذا أدركه الليل، نام أو لم ينم.قال زهير: وأنشدوا في صفة الأولياء: قال ابن عباس: من صلّى ركعتين أو أكثر بعد العشاء فقد بات لله ساجدًا وقائمًا.وقال الكلبيّ: من أقام ركعتين بعد المغرب وأربعًا بعد العشاء فقد بات ساجدًا وقائمًا.قوله تعالى: {والذين يَقُولُونَ رَبَّنَا اصرف عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ} أي هم مع طاعتهم مشفقون خائفون وجِلون من عذاب الله.ابن عباس: يقولون ذلك في سجودهم وقيامهم.{إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} أي لازمًا دائمًا غير مفارق.ومنه سمي الغريم لملازمته.ويقال: فلان مغرم بكذا أي لازم له مولع به.وهذا معناه في كلام العرب فيما ذكر ابن الأعرابيّ وابن عرفة وغيرهما.وقال الأعشى: وقال الحسن: قد علموا أن كل غريم يفارق غريمه إلا غريم جهنم.وقال الزجاج: الغرام أشد العذاب.
|